تقع سمرقند في بلاد ما وراء النهر وتعد من أقدم مدن العالم، وهي اليوم ثاني مدن جمهورية أوزبكستان في الاتحاد السوفيتي سابقا، وقد كانت عاصمة بلاد ما وراء النهر لمدة خمسة قرون منذ عهد السامانيين إلى عهد التيموريين. وقد أطلق عليها الرحالة العرب اسم "الياقوتة" الراقدة على ضفاف نهر زرافشان. وهي المنافسة التاريخية لبخارى ، وهي العاصمة الرائدة التي أعدها تيمورلنك لتحتل الصدارة في عهده.
ولقد كانت سمرقند وبخارى أهم حاضرتين فيما وراء النهر (الصغد وما وراء النهر) وتقوم سمرقند على الضفة الجنوبية لنهر الصغد (وادي الصغد، زرافشان) في موقع عرف بأنه جنة بحق.
وقد تعرضت سمرقند عبر تاريخها لويلات وكوارث عديدة كان أهمها :
- تدمير الإسكندر لها عام 329 قبل الميلاد، وكانت تعرف وقتذاك باسم "مرقندا".
- والمرة الثانية التي تعرضت فيها للتدمير كانت في عهد جنكيزخان عام 617هـ / 1220 م.
-أما التدمير الثالث فكان على أيدي الأوزبك حوالي منتصف القرن التاسع الهجري / القرن الخامس عشر الميلادي. وكانت قبائل الأوزبك حتى هذه الفترة لم تعتنق الإسلام.
وقد احتل الإسكندر مدينة سمرقند عدة مرات إبان قتاله مع السبتاميين وسواها بالأرض هذا ما جاء في إحدى الروايات في حين تذكر بعض الروايات أن الإسكندر هو منشئ هذه المدينة.
وكانت سمرقند في عهد القواد الذين تنازعوا ملك الإسكندر بعد تقسيم عام 323 قبل الميلاد تابعة لولاية بلخ بصفتها قصبة الصغد، وقد وقعت في أيدي السلوقيين هي وبلخ عندما أعلن ديودوتس استقلاله، وتأسست المملكة الإغريقية البلخية في عهد أنطيوخس الثاني ثيوس، ومن ثم أصبحت معرضة لهجمات برابرة الشمال.
وغدت سمرقند من ذ لك الوقت حتى الفتح الإسلامي منفصلة عن إيران من الناحيتين التاريخية والاقتصادية وإن ظل التبادل الثقافي بينها وبين البلاد الغربية متصلا. وكانت فتوحات المسلمين لمناطق وراء نهر جيحون قد بدأت منذ عام 46هـ / 667 م، ولم يبدأ المسلمون توغلهم فيما وراء النهر توغلا منتظما إلا بعد أن عين قتيبة بن مسلم واليا على خراسان حيث وجد طرخون حاكما على مدينة سمرقند.
وفي عام 91هـ / 709 م تصالح طرخون مع قتيبة على أن يؤدي الجزية للمسلمين ويقدم لهم الرهائن غير أن ذلك أغضب رعاياه فخلعوه، وحل محله إخشيذ غورك، واسمه بالصينية أو -لي- كيا، ولكن قتيبة أجبر إخشيد على التسليم في عام 93هـ / 712 م بعد أن حاصر المدينة وقتا طويلا. وقد سمح له بالبقاء على العرش، ولكن أقيم في المدينة وال مسلم ومعه حامية قوية.
وغدت سمرقند هي وبخارى قاعدة للفتوح الإسلامية الأخرى ونشر الإسلام في البلاد، وهو أمر كانت تزعزعه في كثير من الأحيان الفتن التي تثيرها مماحكات الولاة التي أشاعت القلاقل فيما وراء النهر في العقود الأخيرة من عهد الأمويين.
وفي عام 204هـ / 819 م تولى أبناء أسد بن سامان سمرقند بأمر من الخليفة المأمون العباسي ، وظلت منذ ذلك الحين دون أن تتأثر بفتن الطاهرية والصفارية في أيدي بيت سامان إلى أن قضى إسماعيل بن أحمد على سلطان الصفارية عام 287هـ / 900 م، وأسس الدولة السامانية فأتاح بذلك لما وراء النهر قرنا من الرخاء والازدهار لم تر له مثيلا إلا بعد ذلك بخمسمائة سنة أيام تيمور وخلفائه المباشرين. وقد ظلت سمرقند محتفظة لنفسها بالمكانة الأولى بصفتها مركز التجارة والثقافة وخاصة في أنظار العالم الإسلامي حتى بعد أن انتقلت القصبة إلى بخارى.
وقد حكم القراخانية سمرقند بعد سقوط الدولة السامانية (الإلكخانية)، ففي عام 495هـ / 1102 م كان أرسلان خان محمد القراخاني صاحب السلطة على سلجوق سنجر وظلت سلالته قابضة على السلطة إلى أن أصبح القرة خطاي أصحاب الكلمة فيما وراء النهر بعد أربعين سنة، عندما انتصر القرة خطاي انتصارا كبيرا على سنجر في قطوان عام 536هـ / 1141 م.
وفي عام 606هـ / 1209 م هزم خوارزمشاه محمد بن تكش الكورخانية وحاصر جنكيزخان خصم خوارزمشاه المخيف، سمرقند بضعة أشهر بعد أن عبر نهر سيحون في طريقه من بخارى التي دمرها تدميرا تاما. ومن حسن حظ هذه المدينة أنها سلمت في ربيع الأول عام 617هـ / مايو 1220م. وسمح لعدد من أهلها بالبقاء فيها تحت حكم وال مغولي وإن كانت قد نهبت وطرد الكثير من سكانها.
وكانت سمرقند في المائة والخمسين سنة التالية صورة باهتة لما كانت عليه من عز ومكانة. وبدأت المدينة تنتعش عندما أصبح تيمور لنك حوالي عام 771هـ / 1369 م صاحب الكلمة العليا فيما وراء النهر. واختار سمرقند قصبة لدولته الآخذة في النمو باستمرار، وراح يزينها بكل آيات الروعة والفخامة. وقد جمل أولغ بك حفيد تيمور هذه المدينة بقصره المسمى "جهل ستون" كما شيد بها مرصده المشهور.
وقد استولى تيمور لنك على سمرقند لأول مرة عام 906هـ / 1497 م. واحتفظ بها بضعة أشهر، وفي عام 909هـ / 1500 م. استولى عليها منافسه تيمور أوزبك خان شيباني، وبعد وفاة أوزبك تحالف بابر مع إسماعيل شاه الصفوي فأفلح في الظفر مرة أخرى بفتح ما وراء النهر واحتلال سمرقند، ولكنه اضطر في العام التالي إلى الانسحاب انسحابا تاما إلى مملكته الهندية تاركا الميدان للأوزبكيين ولم تكن سمرقند في عهد الأوزبكيين إلا قصبة بالاسم دون الفعل، ذلك أنها قد تخلفت كثيرا عن بخارى.