السلام عليكم:
يؤثر عن عمر بن ذر أنه قال لوالده: يا أبت! مالك إذا وعظت الناس أخذهم البكاء، وإذا وعظهم غيرك لا يبكون؟ فقال: يا بني! ليست النائحة الثكلى مثل النائحة المستأجرة .
ورحم الله ابن القيم يوم قال: كلام المتقدمين قليلٌ كثير البركة، وكلام المتأخرين كثيرٌ قليل البركة.
فماذا لو رآنا نحن متأخري هذا الزمن والله المستعان؟! من نتكلم كثيرا وبمكبرات الصوت حتى يسمعنا من بعد بل حتى بالمسجلات والراديوا و........
إذن أحبتي لنطهر نفوسنا، وننقِ قلوبنا، لا من أجل أن ننتفع بالعلم فقط، بل ومن أجل أن ينفع الله بعلمنا ويفتح لنا القلوب.
أسأل الله تعالى أن يصلح قلوبنا، وأن يجعل عملنا خالصاً صواباً، ونعوذ بالله من حظوظ أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
يقول مالك بن دينار : إن الصدق يبدو في القلب ضعيفاً كما يبدو نبات النخلة، يبدو غصناً واحداً، فتُسقى فينتشر، ثم تُسقى فينتشر، حتى يكون لها أصل أصيل عظيم يوطأ، وظل يُستظل به، وثمرة يؤكل منها.
كذلك الصدق مع الله، والصدق مع العباد يبدو في القلب ضعيفا، فيتفقَّده صاحبه ويزيده الله، ويتفقده ويزيده الله، حتى يجعله الله بركة على نفسه، فيكون كلامه دواء للخاطئين، ليحيي الله به الفئام من الناس وصاحبه لا يعلم بذلك.
فقد يقول أحدهم كلمة بصدق ويمضي ولا يلتفت لكن يحي بها الله قلبا ميتا، قد يدرج أحدهم كلمة أو مقال حتى ولو نقله من غيره وينساه سنة أو سنتين أو أكثر ثم يتصفحه غيره فيرق قلبه ويهديه الله فيكون في ميزان حسنات من أدرجه وهو لا يعلم. فنسأل الله أن يجعلنا ممن يجري الخير على أيديهم سواء في المنتدى أم غيره.
يروى أن قاصاً كان بقرب محمد بن واسع رحمة الله عليه، وقد كان يقول القاص: ما لي أرى القلوب لا تخشع، والعيون لا تدمع، والجلود لا تقشعر؟
فقال ابن واسع : ما أرى القوم أوتوا إلا من قِبلك، إن الذكر إذا خرج من القلب وقع على القلب.
يكفيك أن أقواماً تحيا القلوب بذكرهم، ناهيك عن كلامهم، وأن أقواماً أحياء تقسو القلوب بل تموت بذكرهم، ناهيك عن كلامهم.
نعم أحبابي كم من كلمات ولدت ميتة، ومن ثَمَّ جُعلت هباء مع أصحابها لتكون من أصحاب القبور، وكم من كلمات ولدت حية، وبقيت فيها الحياة مع حياة أصحابها وبعد مماتهم، أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
ورحم الله سيد قطب حين قال إن كلماتنا ستبقى.........حتى إذا متنا من اجلها انتفضت حية وعاشت بين الأحياء والأحياء لا يتبنون الأموات.
السر أحبابي هو الإخلاص والصدق يمنح الكلمات روحاً، فتبقى فيها الحياة أبداً سرمداً، أو ينعدم الصدق والإخلاص ويضمحل، فإذا بالكلمات لا تهز أحياءً، ولا تنفع موتى، نَوحٌ مستأجرٌ بلا روح، وليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجَرة.
اللهم اجعل لنا القبول عند عبادك الصالحين يا رب العالمين.